الفيفا تُعدَّل أو تُلغى
2006.6.3
مادامت الفيفا تُحسب دوليةً … وليست ملكاً لجهة بعينها أو لدولة أو لمجموعة من الدول فقط ؛ فلا يحق لأحدٍ أن يحتكرها أو يستغلّها أو يكيّفها كما يشاء ، ولكن هذا هو الحال الذي عليه الفيفا الآن ، ليست لكل الدولِ ، بل محتكرة ، ومستغلَّة أسوأ استغلالٍ . ومكيََّفة حسب مصلحة مُحتكريها ، ومُستغلِّيها . وحيث إن منشأ الفيفا هو لتحقيق فائدة اجتماعية ونفسية للناس فإن العكس هو الذي حققته الفيفا !
أولاً ـ احذروا أمراض الفيفا الخطرة : لقد أكدت وتؤكد الآن ومستقبلاً الأبحاث الطبية أن أكثر الناس المهووسين بكرة القدم والمتحمسين لها والمغرمين بها والمدمنين عليها هم أول المتعرضين لأشد الأمراض النفسية والعصبية المؤدية إلى الذبحات والجلطات والسكري ، وضغط الدم والهرم المبكر فى الوقت الذى اصبحت فيه حركة الإنسان تتقلص بسبب الإفراط فى استخدام التقنية ليصبح اكثر كسلاً وخمولاً وترهلاً. ولتتحول الرياضة من نشاط فردى خاص كالصلاة لاتجوز فيه النيابة ، اونشاط عام تمارسه الجماهير كافة ( الرياضة الجماهيرية * ) ، إلى نشاط استغلالى ومحتكر للنخبة المسيطرة والغنية ، كما هو حال الفيفا اليوم ولتحشر الجماهير فى دور المتفرج الغبى فقط .
ثانياً ـ احذروا الكراهية والعدوانية والعنصرية التي تسببها لعبة كرة القدم .
إن صاحب الفكرة كان يتصوَّر العكس ، ولكن الآن يا ليته حىّ ليتقدم باقتراح لإلغاء الفيفا .
كان يعتقد أنها تتسبب في خلق المحبة بين الشعوب والناس ، وتكون متنفَّساً للناس ، لكن الذي حصل هو انتشار وتعمق الكراهية والبغض حتى بين الأصحاب ، وإلى العـدوانية بين الشعوب . حيث أدّت مباريات عام 1970 إلى حربٍ بين هندوراس والسلفادور ذهب ضحيتها 000 30 بين قتيلٍ وجريحٍ ، ولن يندمل ذلك الجرح أبداً ، ثم تحوَّلت إلى مشروع اقتصادي استغلالي ابتزازي بدلاً من مشروع رياضي ترفيهي ، ثم صارت مشروعاً للفساد والإفساد ، من غسيل الأموال باسم الفيفا ، إلى تزوير جوازات السفر ، إلى خلق مباريات وهمية … للحصول على المال ومضاعفة أسعار التذاكر ، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بالقتل والإيذاء الجسدي ، وإلحاق الخسائر المادية والمالية لكل من يحاول أن يفتح ملفات الفساد فيها .. ثم تحوَلت الفيفا إلى سوقٍ للعبيد … حيث بدأ علناً وعلى نطاقٍ واسعٍ المتاجرة في البشر من شراء لاعبين وبيعهم من دولة إلى دولة ، ومن نادٍ إلى نادٍِ . وأصبح أبناء الدول الفقيرة رقيقاً للدول الغنية ، وأعادت الفيفا نظام الرقّ والعبودية والمتاجرة في البشر مرة أخرى من قارة إفريقيا إلى أوربا وأمريكا ومن قارة أمريكا الجنوبية إلى أوربا كذلك . ويتم هذا الامتهان لشبابٍ يافعين ، لأنهم فقراء ، ومن دول فقيرة إفريقية أو لاتينية ، وأحياناً آسيوية . يجري جلبهم إلى معسكرات العبيد . كما كان الحال في القرون الماضية تابعة لنوادي الأغنياء . صارت النوادي المكونة للفيفا هي نوادي الأغنياء. والدول المنظمة للفيفا هي الدول الغنية فقط ، أما الدول الفقيرة فلن تتمتع بمجد استضافة الفيفا إلى الأبد، حتى لو عندها الرغبة في استضافتها ، ولو قدَمت ما عندها من أجل ذلك ، ولو توسَلت لرئيس الفيفا وقيادة الفيفـا . لماذا ؟! لأن استضافة الفيفا تحتاج إلى ملاعب بمقاييس معيَّنة غير متوفرة لدى معظم دول العالم ، فهي تتوفر فقط لدى الدول الغنية ، ثم تتطلب بُنيةً تحتيةً . ومعظم دول العالم وخاصة دول العالم الثالث تعاني من تخلُف البنية التحتية ، من اتصالات ومواصلات ومطارات وموانئ وفنادق … إلخ . هذه الشروط أدّت إلى جعل استضافة كأس العالم ِِحكراً بطبيعة الحال على الدول الغنيَّة . وهكذا فالفيفا ليست دولية وليست ملكاً لكل الناس .
لقد قوّت الفيفا النزعة العنصريةَ العالمية ، واليمين المتطرف ، والشاهد على ذلك أن جمعيات مساندة الأندية الرياضية هي جمعيات عنصرية يمينية متطرفة … أين ضمير العالم ؟!
لو استيقظ ضمير العالم ، وأنفق هذه المليارات التي تُنفق على كأس العالم الفارغ على الشعوب الفقيرة ومكافحة الفقر والمرض وإصلاح البيئة لكان خيراً لنا من إنفاق المليارات على رهانات الفيفا ، حيث تُوقِّع أن يصل حجم الرهانات هذا العام 2006 إلى أكثر من 250 مليار $ ، لقد وصل حجم الحركة الرياضية في أمريكا عام 2004 إلى 200 مليار$ . وسيكشف كتاب الصحفي الإنجليزي ( أندرو جينينجز ) فضائح ومفاسد هذه اللعبة ، كما كشف بعضاً منها فقط التقرير الأوروبي المستقل
لقد تم احتكار حتى بثها في الإذاعات المرئية والمسموعة ؛ فالفقراء لن يحضروا ولن يشاهدوا ولن يسمعوا ولن يقرءوا ، الأغنياء فقط لهم الحق في التمتع بذلك .
الحل : هو أن يكون لكل دولة الحق في استضافة الفيفا حسب إمكانياتها المتوفرة وليس حسب شروط الفيفا الظالمة ، أي دول كل منطقة أو قارة ، وأن توزع المباريات على هذه الدول حسب القدرة الاستيعابية لها ، وهذا يؤدي إلى الفوائد الآتية :
1. تتمكن عدة شعوب من التمتع مباشرة باللعبة .
2. زيادة عدد الحاضرين بزيادة عدد الدول المضيفة .
3. يُلغَى الغبنُ والحقدُ والمرارةُ التي تحسّ بها الشعوب الفقيرة المحرومة الآن ـ حسب نظام الفيفا الجائر والفاسد أيضاً ـ ومحرومة إلى الأبد ، وبذلك يتحقق الهدف الاجتماعي الإيجابي لفلسفة الفيفا كما كان يعتقد مؤسسها الفرنسي ( جول ريميه ) .
4. حصول الفيفا على أموالٍ أكثرَ .
5. توزيع المنافع على عددٍ من الدول وتوزيع الخسارة إذا حصلت على عددٍ من الدول كذلك .
6. تجنب الارتباك والفشل وإيقاف المنافسة في حالات الطوارئ مثل الكوارث الطبيعية أو إنتشار الاوبئة أو موت رئيس الدولة المنظمة ..
7. استفادة الدول الفقيرة من أموال الفيفا في إصلاح بُنيتها التحتية ولو في مجال الرياضة وليس كما هو الحال الآن حيث تذرُّ الفيفا الرمادَ في العيون بتوزيع قليلٍ جداً من الأموال على الدول الأخرى، بينما تصرف أو تكدس المليارات في ما نعلم … وما لا نعلم … ولكن في أغراض لمصلحة المضاربين والاستغلاليين ، والابتزازيين والمتاجرين بكل شيء .
إن التعلّل بالمسافات حُجةٌ باطلةٌ تماماً … حيث تجرى مباريات كأس العالم وجرت بين مدن في داخل الدولة المضيفة أبعد عن بعضها في المسافة وفي التوقيت من دول مجاورة، أو تقع في نفس المنطقة أو القارة ، ويكفي دحضاً لهذه الحُجّة غير المقبولة أن مباريات كأس العالم 2006 في ألمانيا تجرى في 12 مدينة ، وبين كل مدينة وأخرى مسافة أبعد من المسافة التي تفصل ألمانيا عن عدد من الدول الأوروبية، إن المسافة بين هامبورغ وميونخ أكثر من 600 كم ، وبين ميونخ وبرلين أكثر من 500 كم ، وكذلك بقية المدن الألمانية، فما الذي يمنع إقامة مباريات كأس العالم مقاسمةً بين عددٍ من الدول تفصل بينها نفس المسافة أو أقل . وقد جرت مباريات كأس العالم في أمريكا عام 1994 على مدنٍ أمريكية تفصل بينها مسافاتٌ تصل إلى آلاف الكيلومترات كما هو الحال بين Boston و Dallas . و Boston و Stanford . و Boston و Orlando مع فارق في التوقيت يصل إلى بضع ساعات . وفي أسوأ الأحوال ، لماذا لا تكون الاستضافة للدولة التي يفوز فريقها في المباريات النهائية للدورة السابقة ؟! حتى يكون التنافس في الحصول على كأس العالم له معنى ، وهو حصول الدولة الفائزة على استضافة المونـديال الذي يليه .
هذا هو الحل ، وإلا يجب إلغاء الفيفا لخطورتها على العالم مادياً ومعنوياً ، وما سيترتب عليها من الآن فصاعدا من مشاكل ومصاعب وأمراض وكراهية وعداوة ، وانحلال وتهوُّر واستهتار جماعي ، خاصة أن الدراسات النفسية والاجتماعية أثبتت أن المهووسين والمتحمسين والمدمنين على الفيفا هم من الذين أمزجتُهم ومداركُهم دون المقياس السوي.
إن السيد ” بلاتر ” رجل حصيفٌ وغير فاسد في شخصه وأكنُّ له الاحترام ولكننا غير متأكدين من قدرته أو عدمها على تعديل الفيفا أو إلغائها .
*الرياضة والفروسية والعروض
( من الفصل الثالث من الكتاب الأخضر )