انتحار رائد الفضاء
بعد أن طاف الإنسان في الفضاء الخارجي وأصابه الدوار، وبعد أن عجزت الميزانيات عن نفقات الفضاء الباهظة، وبعد أن نزل على القمر ولم يجد شيئا، وبعد أن فضح رائدا الفضاء تخاريص وترهات العلماء عن وجود محيطات وبحار فوق سطح القمر.. وتنافست الدول الكبرى السفيهة على امتلاكها، وسمتها بأسمائها.. وكادت تتقاتل فوق الأرض لاقتسام ثروات القمر.. وخاصة الثروات البحرية!.. وبعد أن اقترب الإنسان من كل أجرام المجموعة الشمسية، والتقط لها الصور، ويئس من وجود أى حياة فيها، ومن إمكان أى معيشة عليها، عاد إلى الأرض مصدوعا.. مصابا بالدوار والقيء والموت… ولم تبق إلا حقيقة أن الأرض وحيدة فريدة وأنها مصدر الحياة.. وأن الحياة ماء وغذاء، وأن المكان الوحيد الذي يمدنا بذلك هو الأرض لاغير، وأن الحاجة الوحيدة الماسة هي الخبز والتمر والحليب واللحم والماء.. وأن الهواء الضروري للحياة لا يمدنا به إلا غلاف الأرض.. هكذا.. ولهذا عاد الإنسان من طوافه الخارجي إلى سطح الأرض.
وخلع رائد الفضاء ملابس المركبة الفضائية، وارتدى(بدلته) العادية المناسبة للسير والمعيشة فوق الأرض، وانتهت مهمته مع مؤسسة الفضاء.. وصار يبحث عن عمل أرضى، فدخل محل نجارة، فلم ينجح في هذه الحرفة البسيطة، لأنها ليست من تخصصه.. كذلك محل الخراطة والحدادة والبناء والسمكرة.. وحتى محل الزواق والتلبين كذلك، فهو لم يدرس الرسم، أوالموسيقا، أو الحياكة ؛لأنها أبعد ما تكون عن تخصصه العلمي.. فخرج من المدينة الصناعية فاشلا مد حوار.. وتحول إلى الريف.. وبدأ يبحث عن عمل يرتزق منه وأهله في ميدان الزراعة.. فقال له الفلاح صاحب الأرض.. صاحب المزرعة: هل تجذبك الأرض إليها يابنى؟ وهو يقصد: هل تحب فلاحة الأرض.. ؟ فقال رائد الفضاء: إن جذب الأرض يتناقص كلما صعدنا إلى أعلى، ويقل وزننا تدريجيا حتى وصولنا إلى نقطة انعدام الوزن، عندئذ، نكون قد تخلصنا من جذب الأرض لنا، ونكون قد انجذبنا إلى كوكب آخر، ويعود الوزن تدريجيا. وهكذا..!! أرجو أن أكون قد أجبت عن سؤالك. فيعبر الفلاح عن عدم فهمه، وكأنه يطلب التوضيح.. فيردف رائد الفضاء في شرح معلوماته على أمل الحصول على عمل في الأرض مع فلاح بسيط: إن الأرض تقل في حجمها عن حجم المشترى قرابة1320مرة.. وإن (12) سنة أرضية تعادل سنة واحدة للمشترى.. وإن بقعة المشترى كافية لاستيعاب الأرض في مركزها، وإن744 كرة أرضية تساوى حجم زحل.. ومع هذا فإن وزن الأرض يقل بقرابة95 مرة فقط عن وزن زحل.. وإن قطر الأرض يزيد بحوالى50 مرة على قطر القمر.. وإن حجم الأرض يزيد على حجم القمر بحوالى80 مرة.. وإن جاذبية الأرض تزيد بست مرات على جاذبية القمر.. وإن بعد الأرض عن الشمس يصل إلى150 مليون كم.. وإن ضوء الشمس يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق من انطلاقه بسرعة300 ألف كيلو متر في الثانية.. وإن حجم الأرض يقل بقرابة1303800 مرة عن حجم الشمس، وكتلة الأرض كذلك تقل ب 332958 مرة، وكثافتها تقل ب 30 مرة تقريبا عن كثافة الشمس، وإن الأرض تأتى في المرتبة الثالثة في الابتعاد عن الشمس، فعطارد هو أقرب الكواكب إلى الشمس، ثم الزهرة فالأرض… الخ .وإن الزهرة تبعد عن الأرض بحوالى42 مليون كم.. وبعد الأرض عن القمر قرابة400 ألف كم، وإنه إذا كانت لديك سيارة تسيربسرعة100 كم في الساعة، فإنك تصل القمر بعد،146 يوما من مغادرتك الأرض، وإذا كنت لاتملك سيارة، وغادرت الأرض مشيا على الأقدام، فإنك تصل القمر بعد ثماني سنوات ومئة يوم، أعتقد أن أجبت عن السؤال.. وكما استمعت، فإنني ملم إلماما كاملا بما يتعلق بالأرض.. وعندما قال: الأرض، استيقظ الفلاح، وأغلق فاه الذي كان فاغرا طيلة رحلة رائد الفضاء من كوكب إلى كوكب، انطلاقا من الأرض إلى أن عاد إليها.. ولم يفهم الفلاح شيئا.. وإنما أصابه الدوار هو أيضا، وحس أنه راجع من رحلة فضاء عبر المجموعة الشمسية كلها بلا أي نتيجة تتعلق بمزرعته، فالذي يهمه المسافة بين كل شجرة وشجرة، وليس بين الأرض والمشترى! ويهمه حجم إنتاج مزرعته.. وليس حجم عطارد!! وربما تصدق ببعض الشيء على رائد الفضاء المتسول المسكين.. وانصرف عنه. فانتحر رائد الفضاء بعد ان أيس من الحصول على عمل يعيش به فوق الأرض.