وَرطة الباكستان
2008.12.18
ما كان اليهود و الأمريكيون يودّون أن تمتلك الباكستان قنبلة ذرية، و لكن في غفلة منهم وجدوا الباكستان دولة نووية … فجأة امتلكت الباكستان السلاح النووي ، لو كان بودّهم لما كان ذلك، و لكن و قد صارت الباكستان دولة نووية فقد لاموا أنفسهم و مخابراتهم، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ، وأسموا قنبلة الباكستان النووية، القنبلة الإسلاميّة لأنهم اعتبروها ضدهم.
لقد بذلوا كل جهد كي لا تمتلك الباكستان القنبلة الذرية حتّى أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق ” كيسنجر ” قال صراحة لرئيس الوزراء الباكستاني ” ذو الفقار علي بوتو ” : ( إذا صنعت قنبلة ذرية فسأجعلك أمثولة للآخرين ) .
و تمّ شنق ” بوتو ” حتّى لا يفكّر غيره في صناعة قنبلة نووية، و تمّ التخلص غيلة من ” ضياء الحق ” و أخيراً من ” بنازير” ابنة ” بوتو” . ومازال الحبل على الجرارة ( كمايقول المثل ) .
و لكن لماذا لاتريد أميركا و الإسرائيليون أن تمتلك الباكستان قنبلة ذرية؟
الباكستان دولة إسلامية، بل إن أساس وجود الباكستان هو الإسلام ، فلا توجد أي مقوّمات أخرى يمكن أن توحد باكستان غير الدين ، و لذلك فإن الباكستانيين متعصبون جدّاً للدين لأنه أساس بقائهم ، و لولاه لما وجدت الأمة الباكستانية. الإسلام بالنسبة للباكستانيين مسألة وجود كاليهودية لبني إسرائيل. فالصين على سبيل المثال هي الصين بدين أو بدونه، وإيران هي إيران حتّى بدون الإسلام، وتركيا كذلك وهكذا ، إلاّ باكستان فوضعها خاص. فلا دولة باكستانية بدون الدين الإسلامي، إذ إن الدين الإسلامي هو سبب انفصالها عن الهند و سبب قيامها كدولة. حقّاً إن القنبلة النووية الباكستانية قنبلة إسلامية.الإسلام بالنسبة للباكستان ليس مسألة إيمان فقط بل هوية قومية أيضاً .
والباكستان فيها تفاعلات و مخاضات عميقة و رهيبة، منشؤها تركيبتها (الديموغرافية) المعقدة ، فهي في بنائها الاجتماعي خليط من السنديين البنجابيين و البوتوهاريين و السرائكيين و البلوشيين و الهزارة والمكرانيين و الكشميريين و البشتونيين و الهندكوه و الأفغانيين ، و من خليط من قبائل شرسة في المناطق المحاذية لأفغانستان التي ليس لها ولاء لا للباكستان و لا لأفغانستان، و هذا الخليط الباكستاني ليس متجانساً ، وهو يتكلم بلغات مختلفة تفرّق أكثر مما تجمع.
والباكستان كدولة تواجه تحدِّيا حتّى في إقليمها: من إيران المسلمة الشيعية و الهند الهندوسية و البوذية . فالإسلام في الباكستان ليس في منطقة آمنة ، بل في منطقة استفزاز و تحدٍّ خطر للعقيدة الإسلامية أساس وجود الأمة الباكستانية في مواجهة البوذية و الهندوسية، والتعصب المذهبي الشديد. و من هنا تكونت الجماعات الإسلامية العنيفة و ارتبطت بالقبائل الشرسة في أفغانستان و بالقاعدة و ببن لادن ووفرّت له الحماية، وهي جماعات متعددة، تجاهر بتعصبها الإسلامي مثل: الجماعة الإسلامية و جمعية علماء الإسلام بجناحيها و جمعية علماء باكستان وجمعية أهل الحديث والحركة الإسلامية .. الخ .
خطورة هذه الجماعات بالنسبة للإسرائيليين و الأمريكيين هي في وصولها إلى الحكم ، وهي تسعى إلى ذلك بكل السبل ، فإذا حكمت هذه الجماعات، ومن الممكن أن تحكم، فهذا هو الخطر الحقيقي بالنسبة للإسرائيليين والإمريكيين ، بخلاف ما إذا حكمت الأحزاب السياسية، كحزب الشعب أو حَكَمَ الجيش ، لأن هذه المؤسسات في نظرهم مسئولة، غير أنه ليس من المضمون أن تحكم دائماً.
إذا حكمت هذه الجماعات المتطرفة أو واحدة منها فإن مفتاح القنبلة الذرية سيكون في يدها، و من هنا جاءت الورطة الباكستانيّة، و ليس لهم إلاّ معالجة هذا الوضع ومواجهة الخطر المحتمل، و قد لجأوا في ذلك إلى إذكاء العداء بين الباكستان وجارتها الهند ، و التأكيد للباكستانيين دائماً على أن عدوكم هو الهندوس و ليس اليهود أو النصارى ، و أن القنبلة الباكستانية يجب أن توجه ضد الهند و الهندوسيين العدو المباشر و ليس غيرهم ، وبالمقابل يقال للهند إن عدوكم الحقيقي باكستان . و إن القنبلة موجهة إليكم وليس إلى الإسرائيليين أو الأمريكيين.
سياسة الإسرائيليين هي إشغال باكستان بالهند، وإشغال الهند بالباكستان أي خلق صداقة و مودة بين الباكستان و الإسرائيليين ووعدهم بمساعدتهم ضد الهنود الهندوس من جهة، ومن جهة أخرى تحريض الهندوس ضد المسلمين الباكستانيين وخلق صداقة وتعاون وربما تحالف مع الهند لزيادة كراهية الباكستان للهند . الهدف هو إشغال الدولتين بعضهما ببعض إلى الأبد وإذا أمكن دفعهما ليهاجم بعضهما بعضا حتّى تفرغ كل منهما مخزونها النووي في الأخرى. وأعتقد أن أمريكا لن تساهم في حل مشكل كشمير، ولاتتمناه أما الإسرائيليون فيكونون وراءه إلى الأبد يذكون ناره باستمرار .
وفي كل الأحوال القلق الشديد مستمر ، والخطر الباكستاني الذري قائم ، ومعالجة الورطة بكل الطرق من طرف الإسرائيليين والأمريكيين لن تتوقف ولو إلى يوم القيامة !